الأربعاء، 4 يناير 2012

كيف تفهم المرأة


يحكى أن رجلا عاش في جزيرة نائية. وفي إحدى الليالي ظهر من أحد الجبال البعيدة طيفٌ لم يميزه الرجل. اقترب هذا الطيف أكثر وأكثر. بدا للرجل أن هذا القادم غير غريب.... هو شيء يشبهه، لكنه مختلف.
وقف الطيف أمام الرجل.... سادت لحظة صمت امتد سكونها في الأفق. تصرف الرجل بعفوية وأمسك خصلة شعر تتطايرت من على وجه يشبه القمر. وقال: من تكون؟ من أين جئت؟ ما أنت؟
رد الطيف: أنا المرأة. قال الرجل: ومن أين جئتي؟ ردت: جئت من حاجتك.... ومن أحلامك... ومن كل ذكرياتك الجميلة.
فقال الرجل: أأنت هنا لخدمتي؟  ردت المرأة وفي عينيها انكسار وخيبة: أنا منك وأنت مني.... أنا روح يجب أن تسكنك وأن تتغلغل في أعماقك.... أنا جزء مساوٍ لك ... أنا شريكتك في تكوين عائلتك.... سكتت ثم تابعت: أنا بدونك لا أعيش.... وأنت بدوني لا تكون.
قال الرجل وفيه فضول يكاد يخنقه: سألتفت إلى احتياجاتك لاحقا. تعالي وحققي لي كل ما وعدتني به.
مرت الأشهر وتلتها السنون.... كانت الأيام تمشي بوتيرة واحدة: يدخل الرجل بيته فيجد طعامه مهيأ، ويجد أطفاله في أجمل حله.... ثم ينام ثم يصحو ثم ينام ويصحو..... وهكذا استمر الحال....
وذات صباح ضبابي غير مشمس، تصاعد بين غيمات الندى أنين خافت، شق سكون الكون بحزنه. امتلأ المكان بغضب هز أركان الجزيرة، فتبخر الندى، وانقشع الضباب. كانت تلك أنات المرأة.....بكت بحرقة ونزلت دموعها لتكشف عن معنى مؤلم للحزن.
استيقظ الرجل وفي نفسه تساؤل حول سبب هذا التنغيص في حياته؟ لماذا تحولت هذه المرأة الرقيقة اللطيفة إلى شيء لم يعهده من قبل؟ لماذا لم يعد يشعر بلهيب حارق كلما لمس يدها؟ لماذا زالت من عينيها نظرات الحنان؟ أين ذهب ذلك الوهج المتقد في وجنتيها؟ ماذا حدث؟
سألها ماذا بك؟ وما إن تحركت شفتاها بالحديث حتى قاطعها.... وأنّبها... ولامها. فسكتت وإزداد الجو غرابة. لم تتحسن الحال. فعاد وسألها وفي يقينه أنه لم يرتكب خطأً. إنها هي المتسبب بهذا الوضع: ماذا بك؟ هل أنت في إحدى فترات غضبك الشهرية؟؟؟؟ هل أنت بحاجة إلى أدوات جديدة لمطبخك؟ هل أنت متوترة بسبب شيء اقترفتيه؟ لأنني أستطيع أن أنهي كل مشاكلك كما تعلمين.
تركته في محاولاته الفاشلة لتفسير غضبها... تركته حرفيا... وعادت من حيث أتت.... بحث عنها في كل مكان.... افتقد عند رحيلها كل شعور بالجمال والراحة.... بحث عنها حتى داخل أعماق البحر... بحث عنها بين دقات قلبه.... أصابه شعور ما اعتاده من قبل...حدّث نفسه وقال: أيعقل أن أشعر بـِ..... بحاجتي إليها؟؟؟؟ أيعقل أن أشعر بأني ناقص بدونها؟؟؟؟ وفي لحظة إنسانية تجردت من عنجهية الرجولة، استفاق حلم هادئ.... برز من بين ثنايا أفكار روحانية تحلق فيها رحمات وإنسانيات لا تعرف لها جنساً. لم يكن هذا الحلم يعرف إن كان رجلا أم أنثى..... استفاق وقال: أنا إنسان....
جلس الرجل إلى جانب هذا الحلم وقال له: أرجعني إلى عالمك.... خذني إلى حلم السعادة الذي عشته معها..... حلق بي في سماء الماضي وأسكني في زواياه. أرجعني إلى حضنها الدافئ وإلى قلبها الحاني.
ومرت نسمة باردة مصحوبة بأحلى عبير يمكن أن يستنشقه بشر. أغمض الرجل عينيه، وذهب مع حلمه إلى عالمها. وجدها هناك جالسة فوق غيمة بيضاء.... تمرر أصابعها النحيلة بين نسيجها الحريري الأبيض... وجدها صامته ولكن صمتها كان بديعا...
احتضنها بقوة.... وبنفس القوة احتضنته.... تدفق الوهج من جديد وعادت اللهفات تخرج من بين أنفاسهما. أهكذا هي الحياة؟ اثنان؟ تسائل الرجل.... أنا و..... أنت؟؟؟؟
ازدات صمتا وازدات حياء... شعرت للمرة الأولى أنه بدأ ..... يفهم...
قال لها: أرجوك تكلمي .... حدثيني عنك.... أفهميني نفسي... فأنت اليوم النفس والنفس أنتِ. قالت له: اسمعني بقلبك.... قبل أذنك، أنا بك ومعك أكون. أنا بشر ومشاعر... أحتاجك وأحتاج رقتك ورأفتك. عندما أغضب.... ضمني إليك. احتويني بقوتك، ولا تقهرني بها. إن أخطأت فعلمني ولا تلمني. استشرني واستمع لنصحي. إن ارتفع صوتي فذكرني بأنوثتي وبجمالي. لا تعاتبني على اهمالي لنفسي.... بل أشعرني بحاجتك لي وبكل حالاتي.... ساعدني في مشاغل بيتنا.... شاركني قراراتي فيه. إن ابتعدت عنك فقربني إليك بوردة تغير بها كل حالات القلق عندي. قربني إليك برحلة نقوم بها وحدنا. ...لكن أتدري ماذا أحتاج أكثر؟؟؟؟ أحتاجك أن تسمعني وأن تدعني أنهي حديثي. شاركني في حل المشكلات ولا تحملني إياها.
هز رأسه ومد إليها يده وقال: اتسمحين بأن تزيني حياتي بوجودك؟ لم تترد.. فقد فهم أخيرا...فأشرق وجهها، وأشرقت معه ألوان الفرح. ومن بين سعادتهما سطع نورعكس صفاءه على وجه الحقيقة..... فزالت معه عتمة الجهل. وحل مكانها تناغم آسر، حول حياتهما إلى..... حياة


@Dr_sadoun

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق